حكايات أبو زيد الهلالي فارس بني الزحلان

يحكيها : سمير عبد الباقي
دار الحسام
ترسمها :سحر موسي
قال الراوى
صلوا على الرسول خير الأنام .. الي بذكره يحلو الكلام .. ويفتح لنا باب القبول ويكتب لنا القبول قولوا معي يا سادة ياكرام . سبحان من له الدوام .. من ضربلنا الأمثال بالأقوال وبالأفعال .. وجعل التاريخ وحكايات الأبطال عبرة لبني الأنسان ، وعلمنا أن نستعيد ما كان .. كي نستفيد من صراع الخير مع الشر ، والقديم مع الجديد .. لنستعد بعقل سليم وعزم شديد لمستقبل الأيام .. ونحقق الآمال والأحلام .. نبني للأطفال العالم السعيد .. لذلك ياسادة ياكرام سنحكي ونعيد حكايات فارس الفرسان ، ومغامرات بطل الأبطال (بركات – سلامة الهلالي – أبو زيد!!)

معركة لاتسيل فيها الدماء

كانت الأرض المنبسطة تبدو كساحة قتال عنيف لايهدأ ، وغن كان قتالا بلا ضحايا ، لا تسيل فيه الدماء .. كان الشباب مع أبناء قبيلة الزحلان يتدربون علي فنون القتال ، تحت إشراف معلمهم الفقيه العجوز بن الخطيب الذي كان يدور كالنحلة بينهم ، ملقيا بتعليماته ، منبها أحدهم لخطأ قاتل أو يعدل وضع رمح في يد آخر ، أو معترضا علي طريقة ثالث في الأشتباك ..
وكان صوته المشروخ المثير للضحك هو الصوت البشرى الوحيد الذي يرتفع وسط صليل السيوف وطقطقة الرماح وإحتكاك وإحتكاك العضلات بالعضلات أو إرتطام القضبات بالرءوس أو إصطدام الأجساد بالصخور والأرض الصلبه.
في السماء كانت الطيور الجارحة تحوم في صمت وقد خدعتها الأصوات والآهات ، فظنت أنها معركة بعدها وليمة من الضحايا .. فمضت تدور في سماء الساحة في تربص وجشع ، دون ان تعلم أن تلك ساحة تدريب ، لاتخلف أشلاء ولا تسيل فيها الدماء.
مضت ساعات وأبناء قبيلة الزحلان لا يتعبون ، إذ كانوا يعرفون أن مكانة قبيلتهم وسط القبائل ، في تلك الصحراء القاسية ، رمهون بإتقانهم فنون القتال ، وكان لديهم أحساس غير قليل بلعار لآن أضطر منذ سنوات ، أن يقبل مرغما دفع نسبة فادحة من أموالهم وأنعامهم ، الي عدوهم اللدود أبو الجود بعد أن هزمهم وأجبرهم علي إلتزام حدود وادي الدقائق ووادي النسور ، تاركين الأرض الخصبة ، مكتفين بالأرض البور.
كان أبناء الزحلان يدركون قيمة ما يمتلكه ذلك العجوز الماكر ، الذي يتولى تدريبهم ، ويعرفون أن حريتهم مرهونة بان يستوعبوا ما لديه من علوم وخبرة .. في فنون القتال ... لذلك كانوا يطيعونه ويحبونه ، وإن يخل الأمر تماما من محاولتهم السخرية من طريقته في نطق الحروف ، خاصة عندما يغضب ، فكانوا يقومون بتقليده في أسمارهم ، خفيه عنه طبعا .. لآن أقواهم ما كان يصمد أمامه لحظة ، رغم كبر سنه وضآلة حجمه إن أراد أن يعاقبه ، أو يلقنه .
قال الراوي ....
وحده بركات .... كان يستطيع ذلك ..
تري هل كان ذلك لأن بركات الذكي الماهر كان أخف حركة منه ن ويستطيع تفادي حركاته الماكرة ويتوقعها قبل أن توقع به ، بطريقة يبدو معها التلميذ ، أكثر من أستاذه مهارة .. أو ند له حين يتصدي له بجداره ..
أم لأن أبن الخطيب كان يتسامح معه ، لنه أحب أبناء الملك الزحلان لأبيهم .... أم لأنه يحبه بالفعل ويجد فيه تلميذه النجيب ، لذكائه الشديد ورأيه السديد وقدرته علي أستخدام عقله ، بنفس القدرة علي أستخدام عضلاته وسيفه الحديد ..
إكتسب بركات هذه المكانة في قلب معلمه منذ أحضره إليه الملك الزحلان ليتولي تدريبه وتعليمه منذ أكثر من خمس سنوات وكان صبيا مايزال . يومها تعجب الفقيه قليلا لأنه لم يسمع بإسمه من قبل كأحد أبناء الملك .. لكنه حين حاول أن يسأل عن ذلك ، نهره الملك بشدة قائلا أن هذا الأمر سر شخصي للملك وحده .. فإبتلع المعلم لسانه ، وطوى الشك في قلبه ، وتعامل مع بركات علي أنه أحب أبناء الملك اليه دون أسئلة ...
كان للملك الزحلان ولدان آخران ، هما منعم ونعيم يتعلمان فنون الحرب ، ويتدربان علي القتال ، مع أخيهما بركات .. وذات يوم ، أراد الشيخ أن يعاقبهما بالجلد لخطأ جسيم أرتكباه ..
لكن بركات أشفق عليهما .. وتحمل الضرب بالسوط عنهما ، دون آهة ألم واحدة .. مما زاد إعجاب معلمه به ، وزاده قربا منه ، حتي صار يعهد عليه بمتابعة تدريب أقرانه، حين يغيب لشأن من شئونه .
وزاد الأمر بينهما توثقا ، بذلك الإتفاق الطريف الذي عقده بركات معه ، يوم ساومه في مرح :
- دينار ذهبي كل يوم .. في مقابل أن تعلمني لسان الفرس والترك والأكراد .. ولهجة البربر ولغة الطليان ...
- دينار ذهبي ؟!
- ذهبي !!
- كل يوم ؟!
- كل صباح .. وأيضا تلقنني أسرار الصباغة والصناعة وعلوم الكمياء .
دهش أبن الخطيب وقال :
- وكيف تستطيع أن تستوعب كل هذا ؟ ...... وأنت تتدرب علي فنون القتال والحرب ؟.....
ضحك بركات وقال ....
- هذا شأني يا صاح ، ودينار ذهبي لك كل صباح ..
وقبل الشيخ الأتفاق في البداية علي سبيل الفكاهة ، كان يتصور أن بركات سوف ينسي بعد قترة تلك العلوم الصعبة ، وسيمل منها ،وينشغل كغيره من الشباب في اللهو واللعب ، والطعام والشراب بدلا من إرهاق عيونه بالورق والكتاب ...
لكن بركات لم يغفل ، وظل علي مثابرته في إستيعاب فنون الضرب والحرب والفروسية ، بقدر إندماجه في دراسة الكمياء والصباغة واللغات الأجنبية ...
وكان كل يوم الرجل يضع الدينار الذهبي في كيس خاص يزداد بمرور الأيام إمتلاء في الوقت الذي يزداد معه حبه لبركات ، الذي كان يزداد كل يوم شجاعة وذكاء.
اخر الدنانير
- بركات .... بركات ... أدركنا يا بركات .. رددت الجبال المحيطة بالوادي صرخة الرجل ، الذي جاء منطلقا فوق حصانه ، مخترقا ساحة التدريب ... توقف اللعب فجأة حتي أن بركات نسي أن ينزل الرجل الذي كان يصارعه ، وظل يرفعه فوق رأسه لفترة قبل أن يلقي به وهو يحدق في القادم الصارخ .. وإقترب منه الشيخ ابن الخطيب مستطلعا الأمر ، حتي وصل الرجل ، فنزل من فوق حصانه .. وإندفع نحو بركات ....
- أسرع يابركات .. لقد فاض الكيل بأبيك الملك ..
- ماذا حدث ؟
- تمادي أبو الجو يابركات ، وتعدي حدود الأدب
- هل هاجم مضاربنا ..؟!
- ياليته فعل .. ولكن الدهي من ذلك ، أنه تعمد إهانة ملكنا والأساءة إليه !
- بكي الرجل وهو يقول فأخذ بركات يربت علي ظهره مهدئا ...
- إهدأ .. وإحك ما حدث .. دون زيادة ..!
- لقد أرسل أبو الجود عبدا حقيرا من رعاة الغنم برسالة لأبيك ، ينذره بدفع ما قرره علينا من أموال في الحال .. وإلا دمر مضاربنا وأحرقها .
إبتسم بركات ليخفي غيظه وإنفعاله .
- لكن موعد الدفع لم يحن بعد ، فماذا وراء هذه العجلة ...؟!
- إن لهجة الخطاب المهينة أصابت والدك بأزمة ، حتي خشينا عليه .. وأظن أن أبا الجود يقصد هذا تماما .. لذا تعمد تجاوز حدود الأدب ...
لم يجب بركات ولم يعلق ، وإنما أسرع وقفز ممتطيا حصانه دون سرج ، وأرخي لجامه فإنطلق به . أشار ابن الخطيب اشارة أنهي بها التدريب ن وإندفع الرجال علي أثرها يمتطون جيادهم وينطلقون في أثر بركات ، مثيرين عاصفة من الغبار ، أهيجت الطيور الجوارح مرة أخري فمضت تحوم صارخة في سماء الوادي ...
بينما عاد ابن الخطيب نحو كهفه المنحوت بين الصخور .. مد يده ، تناول الكيس الذي يحتفظ فيه بدنانير بركات الذهبية .. فتحه في هدوء .. وأسقط دينار اليوم مع أشقائه وتمتم وهو يغلق الكيس ن ويعيده لمكانه ...
- أنا متأكد انك ستكون أخر دينار يدفعه لي بركات ... فقد نضج الأن ، وصار مؤهلا ليتصرف تصرف الفرسان .. وصار يمتلك من الشجاعة والقوة ما يكفي ، لكي يدله قلبه الكبير وعقله الراجح ... علي الفعل الصحيح لفارس نبيل ...!
عفوك ياملك زحلان
قال الراوي ...
وصل بركات الي مضارب الزحلان فقفز من علي حصانه وانطلق الي داخل خيمة الملك مزيحا من يقابله من الحراس وهو يزمجر غاضبا ..
وما أن رأي المنظر الذي أمامه حتي أنفجر غضبه في آهة زلزلت أركان المكان .. كان الملك زحلان جالسا ينتفض من الغم والكمد وحوله رجال المقربين عاجزين لايجرؤن علي الكلامبينما يقف أمامهم وسط الخيمة عبد يرتدي ثيابا رثه معجبا بنفسه كطاووس أنساه غروره ما كان يجب أن يكون عليه من أدب في حضرة الملك زحلان ..
أمسك بركات بخناقه حتي كادت تختنق أنفاسه ورفعه بيد واحدة ... وصاح في وجهه ...
- هل أمرك سيدك اللعين أن تتطاول في حضرة أسيادك ايها الوغد اللعين وأن تتجاوز حدود الأدب ؟
ثم ألقي به في آخر الخيمة كبعض النفاية ... واندفع وتناول الخطاب من يد والده المرتعشة .. فلما قرأه أزداد غضبه وبرقت عيناه تطلقان شرر لبغضب ، وأسرع مكشرا عن أسنانه نحو العبد حتي ظن الواقفون إنه سوف ينهش لحمه .. ولكنه رفعه من قفاه وأخرج سيفه القصير فانطلقت آهة فزع من فم العبد المسكين .. وقام بركات بحلق فروة رأسه ... ثم مزق الرسالة بنفس السيف .. وخلط الشعر بباقيا الرسالة وحشاها تحت صديريته وهو يزمجر ...
- لولا أني أحتاج لندل مثلك كي يوصل رسالتي لأبى الجود ..لمزقتك أربا أربا ... هيا ... وقل لسيدك الجبان .. هذا هو رد الملك الزحلان ... وقل له أن نفس السيف في أنتظاره لا ليقطع شعره .. بل لجز لسانه ورقبته .. قل له يا أبا الجود لقد أرتكبت خطأ ستدفع ثمنه غاليا .
ثم حمله بقبضة يده مرة أخري حتي أجلسه مقلوبا علي ظهر حصانه ... ووكز الحصان وكزه جعلته ينطلق حرونا بالبعد المقلوب وسط ضحكة فرسان بني الزحلان الذين كانوا قد لحقوا به ليشهدوا المنظر الأخير ويهتفوا إعجابا به ..
قام الملك زحلان وقد عادت الروح تدب في أوصاله . وأحتضن بركات في حب وقال له :
- يابركات يا ولدي .. لقد أعدت الدماء الي عروقي .. الآن أطمئن لقدرة بني الزحلان علي الوقوف أمام جبروت أبي الجود .. ورد مظالمه التي طال إحتمالنا لها .
وابتدأ بركات في تجهيز الجيش .. والإستعداد للخروج لملاقاة ابي الجود الذي لابد انه سيستشيط غضبا عندما يصل اليه العبد المقلوب فوق الفرس محلوق الرأس ليسلمه الرسالة الممزقة ...
مقتل الوزير عجير
غضب أبو الجود غضبا شديدا وأمر بدق طبول الحرب للأنتقام من الزحلان وتأديب ملكها .. لكن الوزير ( عجير ) وزير أبي الجود سأل الهبد راشد عمن فعل به هذا .. ومن الذي حمله تلك الرسالة المهينة .. فقال العبد راشد ؟
- لم يكن الملك زحلان يامولاي ولكن عبد اسود من عبيده أسمه بركات .
فإزدادا عضب أبي الجود وهب قائما ليقود الجيش ولكن الوزير اصر علي الخروج بدلا منه ... لإحضار ذلك العبد الأثيم لتأديبه .. إذ لا يليق به أن يخرج ليطارد عبدا كبركات ... ووافق أبي الجود وسمح لوزيره بالخروج في عشرة آلاف مقاتل ، لأسر ذلك العبد وإحضاره حيا ، ليشفي غليله ....
قال الراوي ....
إلتقي الجيشان في احد الوديان ، وأندفع كل منهما نحو الأخر اندفاع العاصفة ... وأشتبك الرجال بالرجال ... والتحم الفرسان بالفرسان ... ونادي الوزير علي بركات أن يبرز اليه ....
فوجده يبحث عنه ... واصطدم الرجلان كالجبلين .. كان الوزير مقاتلا قديرا ومبارزا خطيرا ... فانقض علي بركات في شجاعة ، وجذبه جذبه كادت تخلعه من فوق فرسه ، لولا مهارة بركات وقدرته علي الصمود ... فأرتمي فيمرونه إلي جانب سرجه وتفادي حربة الوزير مباشرة فأخترقت جسده وهو يصيح صيحة شلت حركة الخيل والفرسان ... ووقفوا يشاهدون جسد الوزير وهو ينهار مرتطما بالصخور والأحجار .. في منظر رهيب ، أثار فزع رجاله فولوا الأدبار.... بينما تصاعدت صيحات رجال الزحلان ، فرحين مهللين بالأنتصار...
وحين وصل الخبر الي أبي الجود ركبه الهم والغم ... وخاصة عندما عرف أن العبد بركات ال>ي مزق رسالته ، هو ال>ي قتل وزيره ... فصاح صيحة الحرب .
وقال :
- لم يعد لك مني يابركات مني مفر .. ولن يكون للزحلان بعد اليوم أرض ولا مستقر .....
رب أبن لك ليس من صلبك
قال الراوي ....
طلب بركات من ملك زحلان أن يبقي في المضارب وسيكفيه هو عناء القتال ولكن الملك رفض وجمع أبناؤه منعم ونعيم وأشقاء زوجته جابر وجبير وأمرهم بإللحاق ببركات ، وهو يقول لنفسه
- عشت معي يا بركات كل هذه السنين كابن لي ، بل أصبحت أعز أبنائي الي ... وأثبت لي صحة ذلك المثل الذي يقول ( رب إبن لك ليس من صلبك ...)
ولكن ن لا يجب ان تذهب للحرب دفاعا عن الأرض بدلا من أصحابها ... ليس من العدل ان تضحي أنت ، بينما أجلس أنا وأبنائي في عقر ديارنا ننتظر ... لا سنسير معك .. فمصيرنا مشترك ..
وقاد بركات الجيش حتي التقي بجيش أبي الجود .. الي الشمال من وادي النسور وهناك تقدم وصاح بأبي الجود :
- كفاك ما أرتكبت من حماقات وإهانات .. فلنلحق دماء الرجال والجنود مادمت قد جئت لتاديبي ، فأخرج إلي ... تقدم ... وليحكم بيننا السيف ...
برز أبو الجود وصاح به :
- لن ألوث حربتي بدماء عبد نجس مثلك .. عد الي حظائر الغنم ياكلب العرب ، وأرسل سيدك ليقاتل بنفسه ، إن لم يكن قد قتله الخوف ... لن أقاتل عبدا مثلك ...
ضحك بركات وصاح به :
- أنني عبد بقدر ما أنت عبد لغرورك ... لست عبدا يا ملك .. إنما أنا بركات إبن الملك زحلان وكفاك تهربا من الحقيقة ، التي تقول أنك تكاد تنهار من الخوف ...
غضب أبو الجود لقوله ، وأندفع نحوه صائحا ، شاهرا سيفه ، وتطاير الشرر عندما التقي السيفان ، فإرتفع لهما صليل رهيب ، أفزع الخيل والعقبان .. وظل الفاريان يتبادلان الضرب والطعان ،حتي حل الظلام ففرق بينهما ....
وما أن أشرقت شمس الصباح حتي عاد الي ساحة المعركة ، وقد تجدد نشاطهما وظلا يلتحمان ويفترقان ، حتي بلغت الشمس كبد السماء وأشتدت الحراره ولمعت السيوف ، وأستبدل الفارسان أسلحتهما أكثر من مرة وأستعملا السيوف والحراب والخناجر ... وأشتبكا معا يدا بيد ، وذراعا بذراع أكثر من مره ... ثم عاد الي الخيل مرة بعد مرة وتعالت صيحاتهما مختلطة بصهيل الخيل وصيحات الطير ، وزعقات الرجال وشهقاتهم فزعا وفرحا أو غضبا ، وفجأة ، وفي إشتباك عنيف أثار سحابة من الغبار أنطلقت صيحة ألم عميقة مخطلتة بصرخة غضب أعلي ، مما حير الجميع وأنتظروا انكشاف الغبار ليعرفوا ما جري .... ولما أنكشف الغبار ، كان بركات فوق فرسه التي رفعت قوائمها تصهل صهلة النصر بينما كان أبو الجود علي الأرض مضرجا في دمائه .. سكن الوادي للحظات ثم أنطلقت صيحات النصر من معسكر الزحلان ... وهنا صاح بركات مخاطبا رجال أبي الجود :
- أيها الرجال الشجعان .. لم نكن نريد هذه الحرب .. لكن أبو الجود اعماه الطمع .. فلم يعد يعرف قدر الرجال ، ولاقيمة الأبطال .. أعماه المال ، فأرسل يهين الملك الزحلان .. ولكنه نال جزاؤه ... فهل لكم ان تسمعوا لصوت العقل .. وأن نكف عن القتل ..
وشقت كلمات بركات صفوف جيش أبي الجود ... وثار بينهم جدل شديد . أنضم علي أُثره فطاردوهم منعم ونعيم إبنا الزحلان ، حتي أضطروهم الي الفرار ..
قال الراوي ....
امر بركات رجاله بدفن الموتي وعلاج الجرحي ... وتقدم الملك الزحلان من بركات واحتضنه مهنئا بإنتصاره ونادي في رجاله قائلا :
- يا أبنائي .. لقد عوضني الله في شيخوختي بهذا الأين البطل .. لذلك أطلب منكم ... الألتزام بطاعته ، ولأنه سيكون أميركم بعدي .... وأندفع نعيم ومنعم يعانقان أخاهما ... بينما ظل جابر وجبير شقيقي زوجة الزحلان ، مترددين والتفت جابر هامسا لجبير ...
- هل صدق الزحلان نفسه وأعتبر بركات ابنا من صلبه ، ليوليه إمارتنا . وأنا بنفسي أستقبلته طفلا مع أمه عندما لجأت به الينا وأوصلتهما اليه ...
لكن جابر سارع يقول له ...
- إنس هذا الأمر الأن ولا تفسد أنتصارنا ... إنه هو الذي قتل أبا الجود .. وخلصنا من شره . إبتلع جبير رفضه ، وأندفع مع الجميع يعانق بركات ويهنئه ويقسم علي طاعته كما أمر الملك الزحلان.
قال الراوي ....
ولم يكن هناك ياسادة ياكرام .. أسعد ولا أهنا بالا من أم البطل الهمام بركات الست خضرة الشريفة التي كانت قد وصلتها الأخبار ..... فرقص قلبها فرحا بإنتصاره وراحت تراقب مظاهر الفرح بالأنتصار والي جوارها وقف الفقيه إبن الخطيب بعد أن سلم لها كيس الدناينر الذهبية .....
وهو يقول ضاحكا :
- لم أكن استطيع أن أرفض له طلبا ياسيدتي خضرة ، كان مصرا علي أن يكافئني ، وأن يدفع أجري .. وطاوعته ولم أفش سره لآحد . وظللت أضع الدينار فوق الدينار ، ليكون هديتي له يوم آراه وقد أكتمل له العلم مع الشجاعة .. فاعطها له ياسيدتي هو سيلقيها منك عني .. إنها نبوئتي وبشراي له بمزيد من الزيادة والنصر حتي يعرف اهله وقدره .... وحين تطبق شهرته الآفاق فليذكر الجميع إنني كنت معلم بركات أبو زيد وهبته علمي وخبرتي وهما لايقدران بثمن.