حكايات أبو زيد الهلالي 2 عين قطف الزهور

عين قطف الزهور
كانت خضرا الشريفة واقفة تودع في قلق ولدها بركات ، الذي كان مع أخويه ، منعم ونعيم ومجموعة من أًصدقائهم يجهزون جيادهم في مرح وصخب .. إستعدادا للصيد .. فقال لها الملك زحلان :
- لاتقلقي ياابنة الشريف ، فإبنك الذي قتل أبا الجود وخلص الدنيا من شره ، لاتهزمه السباع ، أدخلي ولاتخافي عليه ...
قالت خضرا ضاحكة :
- أنا أخاف عليهم جميعا يا سيدي ، فلهم جميعا في قلبي نفس المكانة ، إنني أستنشق بعض الهواء ...
لكنها ظلت واقفة تراقبهم حتي أختفوا مع انحناءة الطريق ،
إبتسم الملك إبتسامة العارف أن قلبها أصبح مشغولا علي إبنها أكثر ، منذ أعلن إنه الأمير من بعده ، وولي عهده ، لأنها كانت تعرف أن جابر وجبير إبني شقيقته لايوافقان علي ذلك ، إلا خوفا من من مخالفته ، واحتراما لإرادته . وكان يعرف أن معهما الحق فملك بني زحلان من حق منعم أو نعيم ابني الملك الحقيقين ، لأن بركات مجرد ضيف وغريب وأمه تشفق عليه من اليوم ال>ي ينكشف فيه السر ويعرف حقيقة نسبه !.
همس زحلان لنفسه :
- يا للأمهات .. أصبح إبنها فارسا وأميرا ومازالت تراه الطفل الصغير ال>ي جاءت لنا تحمله ، بلا حول ولا قوة ، ( كفاك قلقا يا خضرة . فله في قلبي معزة تفوق معزتي لآولادي...) فجأة
فجأة ..
قطع عليه أفكاره ضجيج وصياح استغاثة وفزع ، فأسرع حراسه يستطلعون الأمر ، فرأوا عددا كبيرا من الرعيان ، يسوقون أمامهم القطعان ، وهم يصيحون رعبا.
- أدركنا ياملك زحلان . كنا .. بنو هلال داهمونا وانقضوا علينا كالذئاب والنسور وطردونا من مراعينا واستولوا علي اراضينا حول عين قطف الزهور . الغوث .. الغوث ..!
- ولم ينتظر الملك وصول بركات ، بل أمر أن يدق طبل الحرب لتأديب بني هلال وطردهم . وخرج علي رأس جيشه ، فوجد بني هلال يقيمون خيامهم كأنهم ينوون الأستقرار في المكان الي الأبد ،
- ف صاح فيهم
- يا بني هلال .. تعرفون أنني ملك هذه البلاد ، وهذه الأرض أرضنا ، والمراعي لنا ، فأرحلوا في سلام ،وعودوا من حيث أتيم ه>ا خير لكم إن كنتم تعقلون ..!
إرتفعت صيحات السخرية والغضب من بني هلال .. وأسرع فرسانهم الي اسلحتهم ، ثم تقدم اليه فارس مهيب شاهرا سيفه وقال :
- القحط أصاب بلادنا يا ملك الزحلان ، وقضي علي الأخضر واليابس ، وقد أتينا نطلب رضاكم والسماح بأن نحيا فوق ه>ه البطاح .. وسوف ندفع لكم العشر من إنتاج أراضينا وخير مراعينا وه>ا فضل وعدل يا ملك .
وأثارت طريقة الأمير رزق الهلالي في الكلام ضحكات ساخرة بين صفوف بني هلال فأشتد غضب ملك الزحلان فقال :
- أهكذا يا أمير ؟ وبلا إستئذان ؟! تقتحمون الوديان وتطردون الرعيان ، ثن تتحدث عن الرضا والسماح .. عد من حيث أتيت يارزق وإلا فليس بيننا سوي السلاح!
وأندفع الأثنين كلا نحو الأخر كالعاصفة ، وعلا بينهما الغبار وثار ، وظلا يتبادلان الضرب والطعن حتي أنتصف النهار ، فخرجت منها ضربتان في نفس الوقت ، أما ضربة الزحلان فقد أبطلها الأمير رزق بدرعه الحديد ، أما ضربة الأمير رزق ، فنزلت فوق فخذ الزحلان فجرحتها جرحا بليغا ، ثم هبطت فوق عنق الحصان فقطعتها .
فأسرع اليه رجال يحيطون به ، حتي أستطاعون أن يأخ>وه بعيدا عن رزق لعلاج جرحه .. وأشتعل وطيس المعركة بين الجيش.
وبينما كان الرجال يحملون الملك الي خيمته وصل بركات ، فأرتمي علي صدر الملك ، متعذرا له ،يتأسف لمصابه ، وقد أشتد غضبه وحزنه .. ثم أندفع هو وأخوته كالعاصفة ، يصيحون صيحات القتال للأنتقام من بني هلال .
غانم الزغبى
قال الراوى:
كان بركات يحس بالذنب لأنه خرج للصيد وترك والده يتعرض للموت ، كانت عروقه تنفض من الغضب علي بني هلال الذين لم يعد لهم عهد ولا ذمة ، منذ أصاب أرضهم القحط وحلت بهم الغمة . وصاروا في الصحراء فلولا ضائعة ، يهاجمون القريب والبعيد كالضباع الجائعة.
وكان قلبه يمتلئ بالغيظ أكثر .. لأنهم تجرأوا علي مهاجمة بني زحلان الين تناقل خبر أنتصارهم علي أبي الجود الركبان فذاع صيتهم في الصحاري والوديان .. وخافتهم القبائل في كل مكان .
وعندما وصل بركات ومن معه الي ارض المعركة ، صاح صيحة أرتجف لها الجبال وتزلزلت من مكانها الصخور ، فوقع حجر في حجم العصفور علي رأس رزق الجسور ، فأثار قلقه وجعله يقف مترددا لا يجيب علي نداء القتال ، فأعطي ه>ا الفرصة لكي يتقدم غانم الرغبي ويبرز للميدان لمواجهة بركات ...
صاح بركات في غضب ، وعيناه يتطاير منها شرر كالهب :
- من أنت أيها الدخيل ،إرجع وإنقذ نفسك وارسل رزق الدريدي لآمزقه بيدي ..
كذب غانم عليه وقال :
- رزق ذهب للصيد يابركات ... مثلما كنت أنت تلهو في الفلوات .. هيا يا صغير السن يا جهول .. لتري كيف يصول الزغبي ويجول ..
إلتحم الفارسان في ضجة ودمدمة ثم إفترقا بعد جهد وعناء ... ليظهر غانم مجروحا مضرجا بالدماء .. وبركات يسخر منه وهو و يعفو عنه قائلا :
- أسرع ياطويل اللسان ، وداوي جراحك بعيدا عن الميدان ، هيا فقد نات منا السماح .. قال وصاح :
- هل من مبارز منكم يا بني هلال .. هل من رجال تخرج للقتال .. ام تفضلون إنتظار الضيوف .. ليحملوا عنكم السيوف ..
خرج اليه الأمير عمار ، فعاجلعه ضربه كان فيها الدمار ..
فإندفع اليه القضي بدير فجرحه جرحا بليغا جعله يطلب العفو منه فعفا ، ليعود مسود الوجه والقفا ..
كل ه>ا .. ورزق مستمر كحجر يتأمل بركات وفعاله ، وهو يود لو يخرج لقتاله .. لكن شيئا كان يشق قلبه يهمس اليه ألا يفعل .. والناس تتعجب من رزق لأنه يسرع ولا يتعجل وظل الفرسان يخرجون واحد بعد الأخر لبركات من كل الجهات ، فيصرعهم أو يجرحهم .. أو ياسرهم ، حتي زاد ععدهم عن التسعين ما بين قتيل وأسير وجريح وطعين .. كل ه>ا ورزق ما يزال في مكانه يراقب .. وكأنه عن الوجوه غائب ..
فقرر الأمير سرحان أن يخرج لبركات بنفسه ، فلما تقدم اليه ، حمل بركات عليه .. وطعنه بالرمح طعنه اصابت إحدي رجليه فعاد مهزوما يعرج ويجر قدميه ..
انتفض رزق غاضبا من نفسه ، وأسرع يمتطي فرسه .. وسط صيحات الرضا من الجميع .. فقد كان وحده الكفيل بإيقاف بركات عند حده .. وأن يرسله الي لحده ..!
والتحم رزق وبركات تلاحم الأنداد الأبطال ن واصطدما إصطدام الجبال بالجبال.. فتبادلا الضرب والطعان .. تاره فوق الخيل ، وتاره فوق الرمال .. وطارد إحداهما الأخر بين الصخور قافزين صارخين كالنمور .. يتبادلان الأوضاع والأمكنه ، مستخدمان كل الحيل والفنون الممكنة وغير الممكنة ، حتي تعب رزق وسال منه العرق كالبحر . وكل بركات .. وكاد أن يفقد سيطرته علي الأمر .. لولا أ، ٍ.ٌ أقترح عليه أن يستريحا ، فأشفق بركات عليه ، خاصة حين نظر في عينيه ن فأحس شيئا غامضا يقربه إليه ..!!
وانهمك كل منهما في إصلاح حاله .. وقد أنشغل باله ، متأملا في قوة غريمه وأفعاله .. وكان الرجال من الجانبين يتأمل البطلين .. صامتين كأن علي رؤوسهم الطير ..
وفجأه ..
صاحت إمراه شابة ، من بين صفوف بني هلال في خوف وفزع مح>ره بركات
- أحترس يابركات .. إحترس ..
وفي لمح البصر ، قفز بركات مبتعدا من فوره .. متفاديا ضربة حربه ن طانت تستهدف طعن ظهره ..
ساد صمت رهيب ثم أندفع الفارسان في ضراوة يستأنفان القتال ، حتي جرح رزق جرحا بليغا اسقطه علي الرمال .. وتقدم بركات الغاضب يريد قطع رقبته ، فصاح به نفس الصوت ال>ي ح>ره من حربته :
- لا يابركات .. لاتقتله وكن كريما وإجعله اسير عطفك ، وعتيق سيفك .. فهذا أكرم لك وله يابركات !..
لم يكن رزق قد صدق إذنيه حين سمع ذلك الصوت في المرة الأولي .. لكنه وهو ملقي علي الأرض في صمت ، ينتظر حد السيف والموت ، تأكد تماما أنه صوت إبنته شيحا ..
فتمني أن يقتله بركات علي الفور هربا من ه>ه الفضيحة ! ..
لكن بركات أغمد سيفه في جرابه ولم يفعل .. واستجاب لصوت الفتاة الطيب ال>ي هز قلبه حين رجاه .. أن يتراجع عن قتل رزق ويهبه الحياه ..!
عاد رزق الي معسكره مهانا ، لأنه عبدا كبركات وهبه الحياه فصار عتيق سيفه .. وهذا عار عليه ودليل علي مذلته وضعفه .. ومن التي كانت السبب في هذا ؟ إبنته شيحا !!يا للفضيحة !!
زعق رزق الغاضب في رجاله ..
- إجمعوا كل ما تجدوه من خشب وحطب ، وأقبضوا علي شيحا فسوف نحرقها الأن .. هيا ..وضرب هذا لتردده ، وسب ذاك لأنه أعترض ، ودفع ذلك الذي حاول أن يتشفع لها .. فمضى الرجال مجبرين يجمعون الأحطاب ، بينما أندفع وهو في سورة من غضبه ،، الي حيث النساء وجر شيحا من ضفائرها ، وهو يضربها بكل قسوة .. بينما هي لا تتكلم ، ولا تتألم .. وغنما تنظر اليه مباشرة في عينيه ، نظره تفتت الأكباد .. وكأنها تساله عن سر مايفعله الأباد بالأولاد ؟!.
كانت النسوة تبكي وتصرخ .. وكان الرجال صامتين في حزن وغضب بينما رزق يكوم الأحطاب حول إبنته التي ربطها الي عمود من الخشب !
وصل الخبر الي المير حازم بني الزحلان وابنه سرحان ال>ي اسرع رغم جراحه ليمنع رزف ، عن فعلته الشنعاء
وأمره أن يحل وثاق شيحا وهو يقول :
- لا تتهور يارزق ما هكذا تعالج هذه الأمور ، لا أحد يحرق إبنته لآنها أنقذت حياته ..
صاح رزق في غضب :
- لقد خانتنا وفضحتنا .. وظاهرت عدونا علينا
قال سرحان :
- صرخت به لتمنعه من قتلك ، تعالي لنبحث الأمر معا علي مهل ولا تترك يعميك عن الحقائق ...
انتبه رزق في غضب :
أيه حقائق ؟!.
- وهل هناك حقيقة أشد من أبوتك يارجل ؟! حقيقة الدم يارزق .. لا تجادل في الحق بالباطل .. إنها إبنتك رغم كل شئ !
قال رزق :
- لابد من محاكمتها لأنها خانتنا .. وتواطأت مع عدونا بركات ، >لك العبد الذي لا يستحق سوى الموت ...
دخل الأثنان الي الخيمة .. وأمر سرحان بعض الرجال أن يحضروا شيحا .. وكان كبار بني هلال كلهم مجتمعين حول الأمير حازم الذي كان الي جانبه القاضي بدير .. وأخذ رزق يوجه الأهتمام لابنته التي وقفت مرفوعة الرأس تنظر بقوة في عيونهم مباشرة فتجعلهم يخفضون النظر خجلا كالمذنبين ..
سألها القاضي :
- لماذا فعلت ذلك يا سيحا ؟!
قالت في كبرياء :
- وماذا فعلت ياقاضي هل من جريمة أن أنقذ أبي من الموت .. وأنقذ شرفه ..؟..
صاح رزق بها غاضبا :
- لقد صغرتني ! ولوثت شرفي وجعلت هذا العبد يعفو عني ..فصرت صنيع معروفه
قال سرحان
- صمتا يارزق سيأتي وقتك لتتكلم والتفت الي شيحا وقال :
أنا أسألك يا أبنتي عن صيحتك الأول ؟ ما الذي بينك وبين بركات لكي تحذريه من ضربة كان يمكن أن توفر علينا كل ها القتال ؟!.
هزت شيحا رأسها في غضب وقالت في سخرية :
- هل كنت تريد أن يقتل أبي غدرا .. ليسقط في نظر الجميع ، الغدر يا أمير من شيم الأنذال ، ورزق الدريدي ليس نذلا يا امير سرحان !.
سكت سرحان خجلا بينما طأطأ رزق رأسه وارتبك الحضور ، فلم يستطيع الأمير حازم أن ينطق بكلمة واحدة .. بينما فأفأ القاضي ، وقبل أن بيلع ريقه ، أسرعت شيحا تقول :
- لو أن أعين كم تري ، وقلوب كم تحس ، لرأيتم ماجري أمامكم وفهمتوه ها هو بركات ابن الملك الزحلان .. أسمر اللون رغم أن أخويه منعم ونعيم أبيضان يطرد الزحلان أم إبنه ؟ مثلما حرضتم أبي أن يفعل حين ولدت أمي له بركات أخي . إنني أتخيله كبيرا ، في مثل عمر بركات هذا .. وربما أقوي وأشجع منه ، لا يا سادة . أنا لم أكن أخنكم .. لقد خنتم أنفسكم من زمن . أنا أنقذت أبي . نعم .. ولكني أنقذت شرفه أيضا فهو ليس بالغادر الذي يقتل خصمه غيلة .. فالغدر من صفات الأنذال وحدهم يابني هلال ..
قالت هذا وأستدرت خارجة ، ولم يجرؤ أحد علي إعتراض طريقها .. فمضت مرفوعة الرأس وعند الباب توقفت والتفتت قائلة:
- انا في إنتظار حكمك يا أبي .. وتأكد أنك سوف تجدني مطيعة لك علي الدوام .. لكن أعلم أن الجرح الذي أبكاني صغيرة ، يوم طردت أمي وأخي ، مازال ينزف من قلبي دما بدلا من الدموع .. ولكن ما>ا نفعل ..؟! هل للماضي رجوع ؟..
خيم علي القوم صمت رهيب . ولم يجرؤ أحد منهم علي قطع سكونه حتي قال الأمير حازم :
- ليذهب رسول الأن الي مكة ليسأل الشريف قرضاب عن أخبار إبنته خضرا وإبنها ، ثم صاح : يا مرزوق ......
اسرع إليه عبد خفيف الحركة كالعصفور :
- السمع والطاعة ياسيدي ..
همس له الأمير :
- طر الليلة الي مكه .. خذ ما تحتاج من هجن سريعة .. ولتكن هنا الصباح .. وعليك ان تحتال كي تتقصي لنا أخبار الخضرا .. هيا .. لاتضيع دقيقة .. لا شئ الأن أهم من الحقيقة .. أما أنت يارزق فابق عندي الليلة .. لا تزد الأمور سوءا .. لا أريدك أن تريد الي شيحا أفضل فتيات القبيلة ، فهي لم تفعل سوي ما أملته عليها أخلاقها النبيله ..!
من أبوك يا بركات
عاد مرزوق من مكة بالحقيقة ، التي تقول أن قرضاب الشريف لم يري ابنته خضرا ولا إبنها الذي ولدته من> خمسة عشر عاما ، فأزداد بنو هلال حيرة .. هنا وصاح رزق :
- أحضروا الأمير قايد .
وكان الأمير قايد قد أعتزل بني هلال وعاش في أحد الكهوف بعيدا يرعي بعض عنزات يعيش علي لبنها ، منذ عاد من مهمته التي كلفه بها الأمير رزق ، يوم أمره أن يوصل خضرا وابنها الي ابيها في مكه !..
وفي البداية رفض قايد أن يأتي الي هؤلاء الذين أصبحوا لايقيمون وزنا لصلة الدم ولا يرعون الحرمات .. لولا أن عرف ان الأمير خطير ويتعلق ب بركات وشيحا ، فعاد وأخبرهم بالقصة ، وكيف أستجاب لما طلبته خضرا التي خافت ان تعود الي أبيها مطلقة ومتهمة ... فطلبت منه أن يتركها للوحوش والضواري وسوف ينجيها الله لبرءتها .. فأشفق عليها .. واخذها بنفسه الي الملك الزحلان ، وقص عليه حكايتها .. فأكرمها واتخذ من إبنها ابنا ل .
قال الأمير حازم في دهشة:
- هل تعني أن بركات هذا ... هو بركات ذلك ؟! هل تعني أن بركات ابن الزحلان هو نفسه بركان ابن رزق الدريدي ؟ يا للعجب ....
قال سرحان وهو خجلان :
- إذا كانت شيحا تستجيب لنداء قلبها ، نداء الدم في عروقها ..
إنتفض رزق وقد فاضت مشاعره حتي البكاء ..
- أنا لا أكاد أصدق ، لا .. كل هذا هراء .. وكذب وإفتراء .. هل يعني ذلك إنني كنت سأقتل أبي ...؟ وكاد هو أن يقتلني؟ وماذا افعل الأن عندما يطلبني الأن للقتال .. هل ساخذل بني هلال .. أم أقتل إبني يارجال ؟!
هز الأمير رأسه في حيرة وقال :
- الحق معك يا رزق الأمر صعب .. ولكن عندي لك فكرة ستحسم الموقف تماما .. إسمع . ستخرج اليه .. وعندما تلتقيان .. ما عليك إلا تقول له ...
ولم يسمع أحد ماقاله بسبب صياح بركات الذي ظهر يصول ويجول فوق فرسه بالقرب منهم ، متحديا أن يخرج إليه أحدهم ؟
- يا بني هلال .. هل أنقرض فيكم الرجال .. أخرج يارزق لتمحو عار الأمس ، ولا تتجبر علي النساء والصبايا هيا .. ولا تطمع بسبب الرزايا في كرم أكثر من ذلك . لقد أبقيت علي حياتك بالأمس إكراما لتلك الحسناء الهلالية .. لكن اليوم أمر أخر .. هيا ..
إندفع نحو رزق كالسهم ممتطيا حصانه بعد ان أنهي حديثه مع الأمير حازم .. وأخذ كل منهما يذور حول الآخر في تحد .. وحين أندفع بركات نحو رزق أوقفه هذا بغشاره من يده وقال :
- إرجع يافتي وإرسل من يقاتل الرجال .. فانا لن أقاتل ولدا .. لا يعرف من هو أبوه !!
صدمت الكلمات بركات لوهلة ، ثم أستعاد نفسه فصاح عضبا :
- ألم تعد تعرفني يارزق ؟! ألم تعرف ابن الملك الزحلان الذي وهبك الحياة بالأمس ..
قهقه رزق بصوت عال .. وقال متماديا في السخرية :
- ابن من ؟.. لا ايها الغر الأحمق الذي لا يعرف نسبه .. لقد ضللوك .. إنك لا تعرف من هم أبوك .. إ>هب وإسال أمك خضرا فقد تكون لديها بقية من شجاعة لتخبرك بحقيقة أمرك ..
- هيا .. فإ>ا عرفت وتأكدت ، عد إلينا وسوف يكون سيفي في شرف إنتظارك .. هيا .. ولوي رزق عنك فرسه مثلما أتفق معه الأمير حازم تاركا بركات يتخبط في الحيرة .. بينما أرتفعت ضحكات ساخره وصيحات مستهزأهمن بين صفوف بني هلال تحاصره .. وتسود الدنيا في عينيه .. وأخ> يسأل نفسه :
- أهذا صحيح ؟ .. إذن من أكون ؟.. إذا كان الزحلان قد رباني فقط ، فمن أين جاءت بي خضرا ؟ هي لن تخبرني طبعا بالحقيقة .. إذا كانت قد اخفتها عني كل هذه السنين ، ... لا.... هي لن تفعل !! ولكن يجب أن أجد طريقه ، كي تعترف أمي بالحقيقة !!
قال الراوي
عاد بركات الي معسكر بني الزحلان وهو كسير القلب سقيم الوجدان ..
وهو مصمم علي معرفة الحقيقة ، فاسر في نفسه فكرة دقيقة .. وهو يدور حول نفسه كالنمر الجريح في خيمته .. لا يجرؤ أحد ممن معه علي مقاطعة صمته أو حركته !..
وفجأة ، أسرع الي أحد الأركان ، حيث الخرج الكبير الذي يحفظ فيه مواد الكيميا فخلط في كأس صغير .. بضعة أشياء من بضعة قوارير .. ما أن شربها حتي سقط جثة هامدة فوق السرير!!
وفوجئ الحاضرون بما يحدث ..
فاسرعوا فزعين إليه فوجدوه فاقد النفس متوقف فتعالي الصياح من كل جانب ، لقد قتل بركات نفسه دون سلاح .. وسري الخبر سريان النار في الهشيم .. حتي وصل الي خضرا فانفتحت أمامها أبواب الجحيم .. وشهقت شهقة عميقة وأغمضت عينيها ثم سقطت مغشيا عليها !
ولما أفاقت ، قصوا عليها ما حدث .. منذ عاد بركا من لقائه ب رزق كسير الجناح مهزوما مشوش الوجدان لأن رزق اخبره أمام الجميع إنه ليس ابن الزحلان .. وإنه لن يقاتل ولدا لا يعرف من هو أبوه .. فعزت عليه نفسه ، وتناول سائلا سلبه الحياه .. لأنه لا يعرف اباه ..
صاحت خضرا وهي تضرب صدرها بقبضتها :
- اهمذا يارزق ؟ .. هكذا ؟ .. تقتل إبنك يا رزق
واحتضنت جسد إبنها وهي تنوح :
نعم ياحبيب القلب يا بركات رزق هو أبوك .. رفضك صغيرا وطلقني وطردني .. وها هو يحرمني منك كبيرا فأثكلني .. قم يا بركات ، رزق هو أبوك يا بني ..
ووسط دهشة الجميع ..
فتح بركات عينيه وقال :
- لاتبكي يا أمي فإبنك حي ما يزال !!
شهق الحضور وكاد أن يغشي علي خضرا مرة أخري .. لكن بركات أسرع اليها .. وتلقاها بين >راعيه .. وأخبرها بسر الشراب الذي شربه لتظن انه سقط ميتا .. والذي صنعه بيده منوما مؤقتا !
وقال :
- الأن تتضح الحقيقة يا أمي ولكنها لم تمنع القتال ...
صاحت خضرا ..
- لا تقتل أباك يا بركات !!
ربت بركات علي كتفيها وهو يقبل يديها وقال ...
- إطمئني يا أبنة الشريف .. لن أٌقتله ولكن لابد أن أجعله يدفع ثمن جرائمه في حقك وحق أبي الملك الزحلان .. لابد ان يعترف ب>نبه ... وأن يخرج الشرور التي بقلبه .. ولن أكون بركات إن لم ارد لك كرامتك يا أشرف الأمهات ... أما أنا .. فسأظل كما انا .. إبنا للملك الذي رباني .. ولن أكون ملكا لمن رماني وللمجهول ألقاني ...
سوف أحضره حيا غليك وإلي ابي .. ليعتذر .. إليكما ولن أقتله من أجل خاطر أختي شيحا ذات الصوت الجميل الذي نجاني ..!